روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الأول 1 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الأول 1 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الأول

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الأول

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الأولى

هرع بقلب مرتجف للمنزل المطلوب، كي يتأكد بنفسه من وجودها سالمة….. فجع إثر معرفته بمحاولة خطف ابنته من أمام منزلهم، ولكن ما كان يطمأن أكثر محادثة أخيه يخبره أنها معه في أمان،
تأمل ذلك المنزل المتهالك، المحاط بأكوام من القش وسط الأراضي الزراعية، عقد حاجبيه بحيره عندما رأى جمع الشباب أمام الباب الخشبي، لم يكترث لهم الآن عليه رؤيتها فقط….
: بنتي
هتف بنبرة حنونه وهو يراها تجلس على الاريكة بجانب تلك الشاذة التي تدعي سارة، نهضت خلود من جلستها ثم اقتربت تعانقه بقوة، وكأنها تخبر العالم أن أمانها ومأمنها قد جاء، بعد عناق حار أخرجها جابر من احضانه يتفحصها بأعين يملأها القلق وقال برجفة احتلت جوفه :
أنتِ كويسه، حصلك حاجة
حركت رأسها بهدوء تبث الطمأنينة إليه متمتمه :
الحمدلله يا بابا كويسه متقلقش
رفع جابر كفه يملس على حجابها متنهد براحة، فقالت سارة بضحك :
متقلقش ياحاج أخوك قام بالواجب
نقل جابر نظره إلى ذلك الساكن في صمت على الجهة الأخرى، وسأله بضيق بادي :
ايه البيحصل يا سالم؟؟
واسترسل بشراسة :
مين اتجرأ وقلبه مات عشان يفكر يعمل كدا

 

 

استقبل حدته بهدوء تام عندما أردف مقتصر :
المهم أن خلود بينا دلوقتي يا جابر
لم ترضيه تلك الإجابة فأعاد سؤاله بإصرار :
ما أنا لازم أعرف مين دول وعايزين ايه من بنتي
تلك المرة لم يستقبله بنفس الهدوء وصاح بنفاذ صبر :
جـابر أنا دماغي مش فاضية ليك، وبنتك اهي قدامك سليمة وبخير
في تلك اللحظة دلف سالم عبده عندما ظهر صوت المعلم سالم الغاضب، ثم اتجه إلى عمه جابر قائلاً برجاء :
تعالى يا عمي بره وأنا هفهمك
رمق خلود بقلق ثم اتجه للخارج قائلاً بحنق :
أنا عايز افهم الحصل ومرجعتوش على البيت ليه
دارت النظرات بينهم لثوان، ثم تحدث عامر بهدوء حتى يستوعب ما حدث :
يا عم جابر مينفعش بنتك ترجع البيت دلوقتي
قطب جبينه مستنكرا حديث هذا المعتوه، لِما لا يجب أن تعود ابنته للمنزل!!….. جال بأعينه بينهم لعل يجد إجابة لأسئلته، فساعده عامر وهو يسرد ما حدث منذ ساعة ونصف تقريبًا
_ فــلاش بــاك _
كان يلهث حتى كادت أن تنقطع أنفاسه، هيئته نشبت القلق في أوصاله فسأله بترقب :
في ايه يا عامر
وضع عامر يده على صدره يحاول السيطرة على ثورته، ثم خطي مردد باضطراب :
في عربية خطفت بنت خارجه من بيت المعلم عبده
انتفض من معقده بعد أن حلت الصدمة معالمه، ظل ينظر إليه لدقيقة ربما فسأله عامر بقلق :
أكرم كان لسا راجع وشافهم بالصدفة وحاليا ماشي وراهم، ايه العمل؟!
سقطت سحابه سوداء سبغت حدقته بظلام مخيف، غمغم بحده :
كلمه حالا خليه يقولك هما فين
انصاع عامر ملبي أمره سريعاً وهو يخرج هاتفه كي يجري اتصالاً عاجلاً بـ أكرم، الذي ربما من الأساس قد يكون فقد اثرهم……. عشر دقائق وبدأ سيل الرجال يتوافد بسياراتهم، خرج المعلم سالم صاعد إلى إحدى السيارات وهو يؤكد على محمود المجيء إليهم على الفور، بينما ظل عامر يحاول مراراً أن يهاتف ذلك الاخرق الذي لا يستجيب،
في نفس الوقت وضع الدراجة أرضاً برفق، ثم اتجه إلى إحدى الأشجار يختبئ خلفها…. كان منزل مكون من طابق، ومن الواضح أنه حديث البنيان، مال بجزعه حتى يستطيع مراقبة المكان بحرص، رجلين يجلسان على اريكة خشبيه أمام الباب المنزل، رفع نظره ليرى رجل آخر يحوم على سطح البناية بشكل مريب……. وضع يده في جيب سرواله يجيب بصوت هامس ومازال نظره معلق على المنزل : بقلم حسناء محمد سويلم
ايوا يا عامر

 

 

جاء صوت الآخر صائح بغضب :
أنت مش بترد ليه
اجابه أكرم بحنق :
يعني المفروض ارد عليك وانا هتقلب على وشي ازاي يعني
: أنت فين؟؟
عقد أكرم حاجبيه من ذلك الصوت الغريب وقال بأريحية :
أنت مين؟؟
صاح المعلم سالم بنفاذ صبر وهو ينظر إلى الهاتف بعد أن فعل عامر مكبر الصوت داخل السيارة :
كلمة كمان بره عن اسألتي أنا هاجي اشيل راسك بنفسي
رفع أكرم يده بتلقائيه يطوق رقبته بفزع، عاد المعلم سالم سؤاله بصرامة :
مشيت وراهم لحد فين؟؟
قص أكرم ما يدور أمام عينيه بحذر، فقال المعلم سأل بتفكير :
تقدر تقرب وتعرف بيت مين
دار أكرم برأسه في المكان مردف :
المكان كله زرع ومفيش غيرهم هنا
: خاليك مكانك لحد ما اقولك تعمل ايه
قال جملته ثم هبط من السيارة يتأكد من عدد الرجال الحاضر، اقترب سالم منه يسأله بتوتر :
ها يا عمي وصلتوا لايه
واستطرد بخوف :
انا بعت سمر تقولهم أن خلود هتساعد ندي عشان تعبت، لكن احنا لحد دلوقتي منعرفش هما عايزين ايه
رد عليه بغضب جلي :
هنعرف لما يبقوا في قبرهم
اقترب منهم محمود بعد أن اتي هو الآخر بعدد ليس بقليل من الرجال ….. أشار إلي الرجال أن ينضموا الي الباقية، ثم هتف باقتضاب :
وكل الرجالة وقفوا في مكانهم حوالين المنطقة
قبض علي مقبض عصاه بقوة، أي حركة تحسب عليهم الأن، من المؤكد أن المخطط لتلك المؤامرة يراقبهم الان……. زفر بخفوت وقال بأمر :
كله يستني في عربيته لحد ما اقولكم هنعمل ايه

 

 

ثم صعد مرة أخري بجانب عامر المتأهب لمهاتفة اكرم في أي لحظة، وبالفعل أشار المعلم إلي الاتصال به، لم يكن من المتوقع أبدا أن يخطو اكرم لتلك الخطوة من نفسه …. استمع عامر الي حوار اكرم مع حراس البناية ربما وهو مذهول من جراءته، بينما ذاد تركيز المعلم سالم أثناء تلك المحادثة كي يأخذ مبتغاه
علي الجهة الأخرى لم يكبح أكرم فضوله في معرفة هؤلاء الأشخاص، وما سبب خطف تلك الفتاة … قرر أن يتقدم من نفسه ويستعمل سلاحه الفتاك :
يعني أنت متأكد أن دا مش بيت وجيه ابو وزه
صاح الرجل بضجر من ذلك الغريب الذي يقف منذ ربع ساعة يسأله عن هاوية أشخاص مجهولين :
ياعم قولتلك لا
فرك أكرم جبهته وسأله ببرود :
ازاي أنا متأكد دا فتحي قايل أن دا بيته
جاء الرجل الاخر من الخلف متسائلاً :
فتحي مين ؟؟
أجابه أكرم بسلاسة وهو يجلس علي الأريكة بجانبهم :
فتحي ابو معزة
زفر أحدهم بضيق وقال بشراسة :
بقولك ايه أنت تغور من وشنا بالزريبه الأنت داخل بيها دي
رسم أكرم الجمود وغمغم بضيق :
يعني مش معني أن من بره بلدكم تتعملوا معايا كدا
في تلك اللحظة انفجر الآخر وهو يخرج سلاحه الناري قائلا بحده :
البيت دا بيت واحد اسمه عباس ولو مخفتش من وشنا هندفنك مكانك
عاد أكرم للخلف ثم دار يعود لمحله في سكون، لعل تلك المعلومة كفيلة بأن تحل شفرات ذلك المنزل ……
في السيارة أشار المعلم سالم بالتحرك علي الفور باتجاه ذلك المنزل، فقد بلغ ذروته من هؤلاء الشياطين، لم يتوقع أن يبدر من عباس ذلك التصرف، ولكن ربما لم يصب تلك المرة في ثقته …. بينما حزن عامر علي تجرد خاله من مشاعره لتلك الدرجة، ربما موت حامد أفقده آخر ذرة عقلانية داخل رأسه ….
خمسة وعشرون دقيقة كي يقفوا علي مسافة بعيدة عن ذلك المكان، هبط المعلم سالم ووقف عامر وسالم ومحمود بجانبه منتظرين مجئ أكرم إليهم، حتي يستعدوا لهجوم مدروس كي لا تتأذي خلود، في نفس توقيت وصول أكرم، ارتجلت صاحبة الخلخال الرنان من السيارة تقترب منهم، وكالعادة العلكة تحتل فمها، وكأنها جزء من شخصيتها …
: دا الحبايب كلهم هنا
هتفت بجملتها المايعة وهي تتأمل جمع الشباب، مال عامر يهمس الي سالم قائلا :
ايه جاب دي هنا
أجابه سالم بنفس همسه :
المعلم قال يمكن نحتاج لوجودها
نظر المعلم سالم الي أكرم يسأله مستفسرا :
متأكد أن مفيش رجاله غير دول ؟؟
رفع اكرم أكتافه بحيرة مردد :
هما التلاته دول الظهرين، ومفيش اي صوت جاي من جوه البيت

 

 

أمأ المعلم إليه وهتف بغضب :
يصبروا عليا
واسترسل بدهاء :
لو الفوق السطح نزل هيكون سهل أننا نقرب من غير قلق
عقد محمود جبينه باستفهام واردف :
ودا هنزله من فوق إزاي
كانت الإجابة عندما تطلع المعلم إلي سارة، التي توقف عن مضغ العلكة وهي تنظر إليهم بتعجب …
عشر دقائق وكانت تخطو بالقرب من المنزل وهي تبكي بصياح، وقف الرجلان وعلامات الاستغراب ظهرت عليهم، لم تكتفي سارة بالبكاء وبدأت في تنفيذ مهمتها عندما صاحت بصوت مرتفع وهي تشير فوق المنزل :
انزل يا راجل يا عره، انزلي هنا وكلمني
نظر الرجلان الي بعضهم ثم سألها أحدهم قائلا :
عايزه ايه يا ست أنتِ
ابتسمت سارة تحت الوشاح التي حرصت علي لفه علي وجهها بالكامل، وصاحت مرة أخري وهي تشير لثالثهم الجالس بالأعلى :
انزلي يا عباس يإما وربي لأطلعلك أنا وأدلدلك من فوق
نظر إليها الرجل بتعجب وهتف باستغراب :
عباس مين يا وليه
أشار صاحبه إليه بأن يعود محله، ثم نظر إلي سارة وهدر بضيق :
يلا يا ست من هنا شكلك غلطانه
لم تنتظر أكثر لتندفع من أمامهم تدلف للمنزل وهي تقول بشراسة :
ونبي ابدا انزل يا عباس ووجهني ازاي تتجوز عليا
حاول الرجلان منعها فكانت فرصة مناسبة ليقترب رجال المعلم سالم بحذر …. وما افسح المجال لهم أكثر هبوط من كان بالأعلى كي يثبت الي سارة أنها مخطئة وأنه ليس بذلك المدعو عباس، فكانت فرصة ذهبية بأن يحاوطوا المنزل بحرص … بقلم حسناء محمد سويلم
علي بعد كاف وقف يحدق بهم، كان قلبه يدق علي طبول القلق، وجود أحدي بنات إخوته في هذا المكان يجعله يتخيل ابشع الأفكار …. وفي ثوان تمكن سالم ومحمود مع بعض الرجال من السيطرة علي المنزل، حتي الثلاث رجال لم يقفوا كثيرا ليركعوا أرضا مستسلمين عندما رأوا الأسلحة الموجهة أمامهم،
دخلت سارة الي الغرف تبحث عنها، حتي وجدتها تجلس بأحدي جوانب الغرفة تبكي في صمت :
تعالي يا خوخا جات سليمة
مسحت خلود وجنتيها غير مستوعبه أن سارة تقف أمامها بالفعل، تأكد انها ليست تهيئ عندما دلف عمها هو الآخر… أسرعت خلود تعانقه وهي تتمتم ببكاء :
عمي
مسح سالم علي ظهرها مردد بحنو :
متخافيش يا حبيبتي
رفعت عينيها تسأله بصوتها المحشرج :
مين دول يا عمي ؟؟!!

 

 

أشار إلي محمود كي يأخذها وقال :
روحي دلوقتي مع ساره ومحمود وكله هيكون كويس
اسندتها سارة ثم اتبعوا محمود للخارج، ومن ثمّ زمجر سالم وهو يرمق رجال عباس :
لازم نخلص عليهم وتكون راسهم هديه لعباس
حرك المعلم سالم رأسه بالرفض وغمغم بريبه :
لا أنا عايز رأسهم دلوقتي
_ بــاك _
صاح جابر بعدم تصديق إلي كم الصدمات التي توالت عليه :
وسبتوهم يرجعوا لعباس تاني
تحدث عامر مستكملا :
لا هما موجدين تحت ادينا
أضاف محمود بمكر دفين :
لكن عمي حب يلاعبهم بطريقته
واستطرد بجمود :
عباس مكتفاش بأنه عايز يخطف سمر عشان ينتقم لموت ابنه لكن دا بعت رجالته عشان يخطفوا بنت المعلم
شخصت أعين جابر بهلع وهمس بدهشه :
يعني كان عايز ياخد سمر مش خلود، وازاي عرف مكان بنات سالم
ابتسم سالم الي عمه واردف بهدوء :
اهدي يا عمي رجلتنا حولين المنطقة، غير أن مرتضي لحق بنات عمي، وأدي خلود معانا يعني كل تفكيره راح فشنك
شعر جابر بالقلق فأكمل محمود بضحك :
وزمانه دلوقتي فاكر أن الدنيا تمام
بناءً علي أوامر المعلم سالم بأن يكون رجال عباس في أمان تام، ولا يتعرضوا لأي وسيلة للعنف …. عليه أن يكون بقدر كافي من المكر كي يتغلب علي هؤلاء الثعالب، وأيضاً من ضمن أوامر بأن يسمح لهم بمهاتفة عباس وأخباره أن الأمور علي ما يرام، وانهم نجحوا في خطف سمر في البلدة، والاخرين استطاعوا خطف حسناء … ليكون عباس في أتم راحته بنجاح خطته،
؛************

 

 

بعد آذان المغرب بدقائق
صاح سالم بغضب كاد أن يفجر كيانه :
يعني ايه يا مرتضي يخطفوا اختي وتقولي اهدي
حاول مرتضي ان يشرح اليه الوضع بعد أن عاد من موعده مع طبيب هند :
يا بني افهم خلود دلوقتي مع ابوك وكويسه
ود سالم الدخول للغرفة المقيد بها الرجال الذي استطاع مرتضي بأن يخرب مخططتهم …. وقف مرتضي يقطع طريقه مغمغم بتحذير :
المعلم سالم قال محدش يجي جنبهم
قبض سالم علي كفه بغيظ مردد بامتضاض :
أنا لازم انزل البلد
حرك مرتضي رأسه بيأس وهتف بجديه :
مينفعش لازم تستني معايا هنا لحد ما نعرف هنعمل ايه بعد كدا
زفر سالم بعد أن شعر بالاختناق يحتل صدره وتمتم بفتور :
خلود متستهلش كدا، أكيد زمانها مرعوبه
رتب مرتضي علي كتفه برفق، عندما شعر بخوفه علي أخته، فهو لديه أخت هو الأخر ويعلم مدي قلقه الآن …. هتف مواسي إياه :
ابوك وعمك معاها متقلقش
بقلة حيلة جلس علي المقعد يفكر في حال أخته الآن، ليست قوية لتمر بهذه التجربة، لطالما كانت الرقة عنوان طلتها …. كيف تشعر الأن ؟؟ وهل تأذنت !! أفكار كثيرة مليت رأسه، يحاول فقط إقناع نفسه أنها بخير ما دام والده بالقرب منها ،
بقلم حسناء محمد سويلم
؛************
داخل وكر الثعابين هبطت عليا وهي تجر حقيبتها الوردية، كان يجلس ينتظر رسالة في غاية الأهمية، كي يبدأ في إخراج التماثيل من ارض الجناين إلي صناديق وهمية لمزرعة الدواجن كما رسموا خططتهم …
رفع ملقتيه ينظر إلي صاحبة الصوت الناعم، تعجب من حقيبتها فسألها بفضول :
الجميل رايح فين ؟؟
ابتسمت عليا قائلة بلؤم :
جالي فون مهم وللأسف لازم أسافر أليكس حالا
وقف عز مقابل لها مردد بمغازلة صريحة :
دا القمر هيختفي هنا وينور اسكندريه
همست بحياء :
Thank you
واسترسلت بحزم :
لكن أنت علي وعدك تساعدني ارجع بيت بابي

 

 

أمأ عز بتأكد ثم أخذ كفها يقبل راحته بلطف، سحبت يدها منه بخجل وتمتمت بتوتر :
أنا همشي لان عربية الحرس وصلت
افسح إليها الطريق وهو يحدق بها مبتسماً، حقا ماكر لئيم يتلون بوجوه خداعة وفقاً لمصالحه ….. أما بالخارج تركت عليا الحقيبة لحارسها وهي تأمره بقلق :
يلا بسرعة خلينا نبعد عن البيت دا
تنهدت براحه كلما ابتعدت سيارتها بعيداً عن هذا المنزل …. مجرد معرفة عز أن عليا وقصة منزلها من تخطيط المعلم سالم، كي يقع بهم داخل دائرة الطمع، ونهيك عن دخولها لمنزلهم ومعرفة سرهم اللعين، حتماً ستفترش قبرها الليلة حتي وإن أتت بألف حارس، فلن تفلت من لدغة افعي سامة كهذا،
؛*****************
الساعة الثامنة ليلاً
ذهب يعقوب الي المحجر المطلوب، وجلس عامر في منزله منتظر مجيء دوره في تلك الخطة …. أما الأخوين سالم ومحمود تحرك كل واحد منهما الي طريق مختلف كي يصلا للمقابر في الوقت المحدد، وأخيراً وقف المعلم سالم في مكتبه ينظر لساعة الحائط المعلقة أمامه وكأن العالم سيقف من حوله في خلال الساعات القادمة…..
( لا تختبر صمت حليم كثيراً، ربما يفجر مفاجأة تزلزل واقعك، وتقع في جحيم لم ينتهي إلا بنهايتك )

دقات عقارب ساعة لوهلة تراها شيء عادي…. لكن ربما مع كل حركة لتلك العقارب تأتي نهاية أحدهم، كل دقيقة تمر لا تعلم ما وراء سكونها، صوت رناتها وكأنها طبول تعزف علي حافة قبرك ….
رفع معصمه يري الساعة تعلن عن تمام العاشرة مساءً، عاد ينظر إلي والده متمتم بضيق :
الساعة جات عشرة وهو لسا مجاش
ابتسم منصور مردد بحماس :
ومالو، وبعدين ما اكيد رجالة سالم محاوطينه
حرك عز رأسه بيأس وقال بضجر :
كان ايه لازمتها ندخل في لعبة زي دي ونغامر بكل دا
أنهي حديثه هو يشير علي القبو الموجود بالأسفل …. رمقه منصور باقتضاب متعضد من قلقه الزائد، رتب علي ظهره مردد ساخراً :
عمرك ما كنت خيلع كدا
واسترسل وهو يميل بجزعه للإمام ملتقط تمثال أثري عتيق :
البحر يحب الزيادة، ودا مش اي خير
شرد عز لثوان وقال بخفوت:
موسي دا شكله مش سهل، وأنه يضرب سالم في ضهره بكل سهولة مش بالعها، غير غياب سارة وكأن الأرض انشقت وبالعتها هي كمان
عاد منصور يجلس علي المعقد الوثير مردف:
كل دا كلام ملوش لازمه واساسا البنت سارة دي كان المفروض تتقرص قرصة جامدة يوم ما عملت عملتها مع أخوك
رمقه بثبات وقال باقتضاب:
مش سارة دي المفروض هي سبب عشان تعرف سي موسي بتاعك
احتدت نبرة منصور وهتف مقتصرا حديث ممل بالنسبة له:
بقولك ايه أنا مش هضيع فرصة زي دي من ايدي مهما كلفني الموضوع
أمأ عز متهكما فقد رسم والده طريق وردي سريعاً، ولكن حسه يخبره بشيء آخر …… تلك ليست المرة الأولى لإخراج صناديق ضخمة كتلك، ولكن بالتحديد أول مرة يراوده شعور القلق من تلك العملية، حجم الصناديق المحملة بالتماثيل ليس بقليل …. بقلم حسناء محمد سويلم
؛**********
علي صعيد آخر هبط موسي أمام السور الضخم المحاط لمزرعة الدواجن…. كانت كل خطوة يخطوها داخل ذلك المكان يتمعن بها، حفر لكل ركن في ذلك الظلام صورة داخل عقله…… بنيان ضخم كهذا بعدد هؤلاء الرجال من المستحيل الفرار منه بسهولة،
وقف وفقا لإشارة رجل ضخم، قوية البنيه، أشار إليه بالانتظار لحين رد من بالداخل عن السماح بدلوفه…. نظر موسي للجهاز اللاسلكي المعلق بين يديه متعجباً حتي من أسالبهم الحديثة في حراسة المكان، أكمل طريقه بعد أن سُمح إليه بالدلوف….
ظل يمشي تبع للإنارة الخافتة حتي وجد منصور وعز يجلسان في منتصف غرفة ضخمة تحتوي علي كم هائل من تلك التماثيل اللامعة، التي ربما تكفي هي لإنارة بلدة بذلك الضي الناصع … لم يكترث حوله كثيراً واقترب من منصور يصافحه بوقار، حين إذا تأكد منصور من جدية ذلك الرجل، وقال بحفاوة:
المزرعة نورت
ابتسم موسي مغمغم بدهاء:
منورة بوجودهم
انهي جملته وهو يشير علي التماثيل… قهقه منصور مردد بمكر:
لازم ينوروا ما دام في ادينا
نقل موسي نظره الي الصقر المتربص له، وكأنه غريمه الذي أتى كي يختطف وجبته….. ظل لثوان يحدق به بجمود، ثم سأله ببرود:
وبعد ما اتأكدت من البضاعة يا استاذ موسي المفروض اننا نتأكد من اخلاصك ازاي؟؟!
ابتسم موسي واجابه بهدوء:
بسيطة لو مفيش ثقة ممكن امشي ولا كأن شوفت حاجه والموضوع انتهي
تبدلت ملامح منصور لصدمة وهو يهتف باضطراب:
ننهي ايه، دا احنا لسا مقولناش يا هادي
واستطرد وهو يتطلع الي عز بصرامة:
عز ميقصدش الكلام دا
أمأ موسي بتفهم وقال بحزم:
الساعة اتنين ونص الصناديق هتدخل هنا في خلال ربع ساعة من وقتها تكون رجالتلك بدأت في ترتيب التماثيل جوه كراتين الـ هي المفروض تبع مزراعتكم
: وبعدين ؟!
نطر موسى إلي عز قائلاً :
هتيجي معايا أنت ورجالتك تقابل صاحب الليلة دي كلها وتاخد فلوسك وترجع
لمعة اعين منصور بوميض فرحة عارمة، وأردف بحماس:
طيب ليه لسا الساعة اتنين ما دلوقتي احسن
وضع موسي يده في جيب سرواله بعنجهية، وهتف بهدوء دليل علي تؤكده من نجاح مخططته:
المعلم سالم رجالته مش بتتحرك من مكانها، وانهارده بليل في عربيه جايه من المحجر لصاحب البيت، الوقت دا الوحيد الممكن نوزع الرجالة بعيد عننا لما الصناديق تطلع لعربيتكم
قطب عز جبينه باستفهام وسأله بتعجب :
عربية من المحجر جاي الساعة اتنين بليل !!!
رد عليه بلامبالاة :
بيقولوا صاحب المحجر حصل معاه مشاكل
استأذن بالرحيل تارك المجال لهم …. دار عز يأمر عوف بمكر :
تروح علي المحجر تتأكد من كل كلمة قالها وبعدين تيجي
ابتسم عوف بخفوت ثم خرج مسرعاً، كم يتمني أن تنتهي تلك الليلة بسرعة كي تنعم بذلك الخير الكبير الآتي إليه،

؛********************
وقف أمام باب الحديدي الخاص بالمقابر…. القى السلام بخفوت، ثم قرء سورة الفاتحة احترام وإجلال لذلك المكان، لم يلتفت حوله وسار متجه إلي مبتغاه بسرعة، أشعل كشاف هاتفه الخلوي، يقرأ الاسم المدون علي اللوح الرخامي ” المرحوم توفيق عزب ”
علي بعد نظره وقف رجلين من اتباعهم لمراقبة المكان…. أخذ نفس عميق أخرجه دفعة واحدة عندما هوي بمطرقة حديدية، علي ذلك القفل المعلق علي باب المقبرة، انتظر إشارة أخري من رجاله للاطمئنان أكثر لهدوء الأوضاع…. وهوي مرة أخري بضربة كانت صائبة، فتح الباب الحديدي برفق، لتكون المفاجأة باب خشبي !!!
حدق به لدقائق يحاول إيجاد حل لفتحه، فكان مسطح واملس، خالي من الندوب…. حتي لا يوجد اي إقفال عليه ؟!
: خير يا ريس
هتف بجملته وهو يتأمل القبر بعد أن أشار إليه سالم بالقدوم إليه، فقال سالم بتفكير :
الباب دا ولا ليه قفل ولا ليه ترباس ينفتح منه
عقد الرجل حاجبيه وسأله بتعجب :
ودا هنفتح ازاي ؟؟
أخذ سالم مطرقته ثم أجابه بحزم :
هات الشاكوش التاني وتعالي قصادي
دهش مرة أخري وهو يري سالم يبدأ في طرق جدار المقبرة وتمتم باستغراب :
بس احنا كدا هنهد في القبر نفسه !!
صاح سالم من بين أسنانه وهو يرمقه بحده :
وحضرتك عندك حل تاني
إنصاع سريعاً كي يأتي بآلة تساعده في إنجاز عمله، والذهول يعتلي قسمات وجهه، آل سويلم ينهشوا قبر متوفي !!!! كان علي وشك اخبار صديقه بأنه لم يشترك في مثل هذه الجريمة، ولكن سرعان ما تذكر أن هناك لغز خفي خلف ذلك القبر …. دفع آل سويلم وعزب للهوس بذلك القبر المريب،
” ليس كل معرفة تغنيك، ولا كل ضلالة تلهيك ” كان فضوله طاغي فبدأ في هدم الجهة الأخرى لسالم…..
حفر حول الباب الخشبي بشكل دائري من الجزور، فسهل عليهم كثيراً بأن يستطيعوا خلعه، بعد أن وحدوا قواهم في هزه بشكل مستمر ….. تنهد سالم برفق، وظهرت شبه بسمة علي ثغره عندما ظهر القبر أمامه، أشعل الكشافات اليدوية برفق …
حدق في محتوي القبر باضطراب يضرب صدره، قبر طويل يحتوي علي ثلاث صناديق علي شكل تابوت عتيق….. لوهلة شعر أن بالفعل هناك جثة هامدة داخل تلك التوابيت، اجفل علي حركة الآخر وهو يبتعد عن القبر والخوف يعتلي ملامحه، في تلك اللحظة صدي كلمات عمه رنت في أذنيه وكأنه تحسه علي التقدم فلم يتبقى من الوقت إلا قليل ” مفيش حد مدفون في القبر يا سالم أتأكد من كدا ”
: نور بالكشاف يا طارق
قال جملته ثم ركع علي ركبته يدلف داخل القبر …. وفي الخارج أمسك طارق ينير ظلمته بيد مرتعشة، ربما يخرج عفريت هؤلاء الأموات الآن ويدخلهم معهم أو يغلق عليهم باب القبر مثلما رأي في أحدي الأفلام الأجنبية،
في الداخل زحف سالم بقدر إمكانه حتي لا تصطدم رأسه في سطح القبر ثم تسمر أمام أول تابوت، بلع لعابه الجاف ثم لمس التابوت البارد بأطراف أصابعه، وعلي حين غرة فتح الباب العلوي بسرعة …… سكون عم المكان لبرهة، لم تكن سوي صوت أنفاسه المتسارعة، مثلما كانت تتسابق حبيبات العرق أعلي جبينه…. شخصت أعينهم من ذلك الوميض اللامع المغلف بأوراق بيضاء حفظا علي سلامته، وبالرغم من ذلك لم تحجب تلك الأوراق اللامعة الناصعة، وكأنها خيوط شمس زاهية في نهار صافي …. تخبرهم أنها موجودة بزهوها رغم تلك العقود التي مرت وهي تحت تربتها، رفع أنامله يزيح تلك الأوراق بعيداً ليري جمالها الخلاب …
: انتو بتعملوا ايه
صرخ طارق بالخارج ووقع الكشاف من يده وهو يقرأ الآيات القرآنية بصوت مرتفع … بينما انتفض سالم حتي صُدم رأسه في سطح القبر، مما جعله يتأوه بألم، ومن ثمّ قهقه أكرم بصخب فلم يقصد أن يفزعهم أبداً :
والله ما كنت أقصد اخضكم
فرك سالم رأسه متألما وقال بوعيد :
اطلع الحاجه دي وصدقني لتدخل مكانها انهارده
مال طارق بجزعه يأتي بالكشاف كي ينير الي سالم مرة أخري وهو يتمتم بسُباب بذئ، الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في المقابر، وبالتحديد أمام مقبرة فتحت للتو …. ليأتي ذلك المعتوه ويجعل قلبه ينتفض من محله حتي كاد يقع من بين أضلاعه أمامهم أرضاً …
: أنت ايه جابك مش المفروض كل واحد يستني في مكانه لحد ما كله يتم
قابل أكرم حدة نبرة سالم بهدوء تام عندما قال ببرود :
دا راجل غتت وخنقني بصراحة، اديتله منوم في الشاي وهو حالياً بياكل ملوخيه مع المدام
عقد طارق حاجبيه باستنكار مردد :
مش كان رز بلبن
أجابه أكرم بسلاسة :
لا أصل بحب الملوخيه
ضرب سالم جبهته وهو يهمس بحنق :
يارب عدي اليوم دا علي خير وأنا هعمل منهم ملوخيه بالعجول
واسترسل بحده :
أنت يا حلوف منك ليه نفسي بدأ يروح من الكتمة دي
مد أكرم رأسه من باب القبر مغمغم بعبث :
دا تجربة عشان تتقي ربنا وتعرف اخرتك ايه
حاول سالم إمساك حصا غليظ وألقها في وجهه مزمجر بحده :
دي هتكون اخرتك انهارده بس اصبر عليا
كتم طارق ضحكاته وافسح اكرم من أمام القبر كي يستطع حمل أول تابوت معه للخارج، وضعوا اول واحداً أرضا واتبعه الثاني والثالث …
: هو تقيل كدا ليه يا ريس
امسك سالم ظهره بألم ثم نظر للجهة الأخرى، التي من المفترض أن ينتقل إليها التابوت كي يستلم محمود مهمته :
مش هنقدر ننقلها هناك لوحدينا، كلم محمود يبعت رجاله كمان عشان منتأخرش
قطب اكرم جبينه باستفهام وسألهم بفضول :
التابوت دي فيها ايه !! ومالها شكلها أثري اوي كدا ؟؟
دفعه سالم بنفاذ صبر مردفاً :
أنا شايف أنك تغور عند الرجل بدل ما يفوق قبل ما نمشي
فرك أكرم ذقنه متسائلاً مرة أخري بإلحاح :
همشي لما تقولي التابوت دا فيه ايه ؟!
واستطرد بتفكير :
انتو بتاجروا في الاخشاب المسروقة
أمأ سالم إليه باقتضاب وقال إلي صبيه :
خوده ياطارق بعيد بدل ما ادفنه دلوقتي
ابتسم طارق وأخذ أكرم قائلاً بمزاح :
والله نفسي يعملها بعد ما قطع الخلفي
تركه عند باب الرئيسي للمقابر واتجه كي يجري اتصالاً بمحمود….
خمس دقائق ودلف عشر رجال من الجهة الأخرى، أشار سالم إليهم بأن يحمل كل خمس رجال تابوت ويتحركوا به سريعاً للخارج ….
بينما علي الجهة الأخرى عقد محمود يده أمام صدره يتأمل المكان بثبات، نظر للتابوت الموضوع أمامه بأول سيارة متمنيا أن يستطيع فتحه كي يري محتواه بشوق …. ولكن أمر رجاله بأن يضعوا حزم القش فوقهم حتي اختفي، وهكذا تم مع التابوت الثاني والثالث …
تلثم بالشال الرجالي كما فعل رجاله وصعدوا للسيارات الثلاث المتجه الي محجر يعقوب ….. نظر إلي شاشة هاتفه ليري أسم أخوه يعتليها، أجاب متقصرا :
كله تمام
جاء رد سالم وهو يقف أمام سيارته علي الطريق بعد أن خرج من المقابر :
متأكد أن مفيش حد قطرنا
هتف محمود بمكر :
عيب عليك، كله طبيعي ولا في بني آدم ظهر أساساً
زفر سالم وهو ينظر إلي يده التي جرحت دون أن يأخذ حذره :
بقالهم سنين مشينها طبيعي عشان محدش ياخد باله
لوي محمود ثغره متمتم بغل :
وجه اليوم الموعود
شرد سالم في تلك الذكرة المريرة، التي جعلته يشعر بأنه علي حافة الموت …. رغم مرور مدة طويلة إلا أنه يشعر بنصل الماديه يفترس أمعائه الآن، وهسيس ذاك الثعبان يصدي داخل أذنه، وها قد حان الأخذ بالثأر لكل أفعالهم ليكون الحساب أثقل مما يتوقعوا،
؛***********
الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل
تقدم يعقوب يقف أمام العمال وهم يهبطوا بالتوابيت داخل محجره … دهش من حجمهم الغير متوقع فتلك أول مره يري اشياء كتلك، بالنسبة إليه الآن فهم الفرق بين تلك التماثيل والأخرى المزيفة داخل منزل عامر …
فاق من شروده عندما وقف محمود بالقرب منه، فقال له معاتبا :
المفروض تكون هنا وتلت مش ونص
تنهد محمود بوهن مردد :
سالم أتأخر لما طلع كل دا الموضوع مطلعش سهل زي ما احنا متخيلين
حرك يعقوب رأسه بتفهم وهتف بصرامة :
يلا لازم تختفي أنت ورجالتك دلوقتي
لم ينتظر محمود وأشار الي رجاله بسرعة التحرك فوراً بعيداً عن أرض المحجر … ربما يكون هناك صقر متربص لهم، ويخطط لإيقاعهم، صعد يعقوب بنفسه فوق عربات السيارة يضع أدوات البناء بحرص شديد، ثلاث سيارات الأولي محملة بالرمال، والثانية بشكائر الأسمنت، والثلاثة بحجر الطوب الأحمر ….
رص الثلاث بحذر ثم أشار إليهم بالخروج إلي منزل عامر، وكما أمر المعلم سالم بعدم ذهابه الي أي مكان بعدها، والعمل علي قدم وساق داخل محجره، كي تسير الأمور بشكل طبيعي، بقلم حسناء محمد سويلم
؛************
علي صعيد آخر هبط علي الدرج وهو يتثاءب، فقد استطاع تمثيل دوره بطريقة جيدة
: أنا مش فاهم حاجة ايه التيجي انصاص الليالي، ايه معندكمش صبح
أردف بضيق وهو يتأمل العمال أمام منزله مستعدين لإنزال أدوات البناء، رد عليه أحد العمال قائلاً :
لمؤخذا يا أستاذ بس حصل مشكلة في المحجر لخفنة المواعيد
أشار إليهم بحنق ثم جلس علي المقعد بوجه عابس … في الغرفة المجاورة ابتسم موسي بخفة عندما نظر من النافذة، ورأي عوف يتحرك عائداً بعد أن تأكد أنها بالفعل أدوات بناء اتيه لتجديد المنزل …. منذ المقابلة الأولي وهو يعلم شكوك عز في شخصه، ولكن لم يكون من الصعب فهم ما يدور في عقله ليكون هو المتقدم بخطوة أمامه،
؛؛؛؛؛؛
خرج بعد استمع لصوت ضجة خافته…. وجد عامر يتأمل محتوي التابوت واحد تلو الآخر بانبهار يشع من ملقتيه، فابتسم مردد ساخراً:
تحب تحتفظ بواحد
تجاهل سخريته وسأله بتعجب :
هو ازاي منصور مش هيعرفه أن دي آثاره ؟!!
رفع موسي كتفيه بلا اكتراث :
لأن مش هيلحق يعرف
كاد عامر بسؤاله مرة أخري، ولكن كان سيد أسرع عندما قاطعهم بدلوفه وهو حامل صندوق آخر بمساعدة صبيته، عقد موسي حاجبيه باستغراب من سبب وجود صندوق متهالك هنا الآن !!!
بينما أشار عامر علي سيد قائلاً بصدمة :
مش أنت الشغال…
قاطعه سيد بمكر يؤكد بقية جملته :
ايوا أنا الكنت شغال مع عباس
أنهي غامزا فوصلت المعلومة إلي عامر … وهل متوقع من هؤلاء الإخلاص أو الوفاء الي أحد سوي المال !؟
مال موسي يفتح الصندوق بفضول … ثوان وذهل من ذلك الغافل في سكون، شاب في مقتبل عمره فاقد الوعي داخل صندوق !!!
: مش دا أحمد
أشار عامر علي أحمد وهو يتمتم بصدمة، رد عليه سيد بضحك :
هو بشحمه ولحمه
دقق عامر نظره لعدة ثوان وسأله بعدم تصديق :
مش دا الرمي ماية نار علي بنت المعلم سالم
رفع موسي حاجبيه بدهشة وغمغم بشوق وهو يضع يده علي صدره :
آه قلبي
ثم عاد يحدق به متمتم بخفوت :
هو دا البوظ المهبلية
ضيق عامر عينيه يرمقه بثبات فقال موسي مستفسرا :
أنت بتبصلي كدا ليه
سأله بجمود:
مهلبية ايه ؟؟
وصاح بعدم استعاب لما يحدث :
قول زفت قول قطران إنما مهلبية ايه في الأحنا فيه
وضع موسي يده حول كتفه هامس بهيام :
بالله ما ينفع يتقال غير مهلبية
واعتدل يشير إلي سيد بأن يكمل ما جاء به :
المطلوب
رد عليه سيد مقتصراً قبل أن يخرج :
يتبعت وسط البضاعة
أشار موسي بـ سبابته علي عينيه، ثم بدأ في اخراج تماثيل من أحدي التوابيت … فسأله عامر بعدم فهم :
أنت بتعمل ايه ؟؟ اكيد مش هتبعته دا هيروح فيها
رفع موسي نظره يسأله بجمود :
يستاهل ولا ميستهلش
: هو غلط بس م…
قاطعه موسي مردف بوعيد :
كلمة كمان وهحطك جنبه
جال عامر في عدد الرجال الموجودين حوله، وهتف صاعدا الدرج الي غرفته :
وعلي ايه الواحد نفسه يدخل دنيا مش يدخل تابوت
بعد خمس دقائق أعاد موسي التماثيل في الصندوق بدلاً من أحمد، ووضع أحمد في التابوت بشكل يليق وكأنه أحد ملوك هذا العصر …. رتب علي كفه قبل أن يغلق الباب العلوي مزمجر بحنق :
نام يا ضنايا، نوم العوافي عليك
كان يشعر بما يدور حوله ولكن لا يقوي علي الحركة، شعر بالمخدر يسري في عروقه حتي شعر بشلل كل أعضائه…. لا يتذكر سوي مقابلة ليلة أمس، هي بالفعل السبب في مجيئه هنا الآن …. ود الصراخ وأخبارهم أنه يستمع إلي حديثهم الدائر، حتي أنفاسه لا يشعر بها وهي تخرج من صدره، لوهلة شعر بأنه فارق الحياة، لكن تمكن منه اليأس عندما تذكر تلك الإبرة التي وضعت في كتفه أثناء نومه منذ ساعتين تقريباً،
: تفتكر هند تستاهل منك كدا
= أنا مكنتش عايز الازازة تيجي علي دراعها
: كنت عايز تهددها يعني
= لا كنت عايز وشها عشان متفكرش في غيري، ولا غيري يبصلها، بنتك يا تكون ليا يا مش هتكون لغيري، أنا مش ناقص ولا مريض عشان ترفضني
: عارف يا أحمد من يوم عملتك وأنا مش عايز اقابلك، كنت مستني اي حاجه تشفع ليك ومش علشانك دا عشان اختي بس للأسف اختي معرفتش تربي
حسنا سوف يعيد حديثه معه مرة أخري، سوف يعتذر علي ما بدر منه …. عجرفته وتكبره جعل المعلم سالم يفقد كل ذرة صواب لديه، وها هو ينتهي ما تبقي من مستقبله في القبض عليه مع عصابة للاتجار بالأثار …
؛************
عقد عز زراعه وهو يستند علي الحائط يرمق رجاله وهم يستعدوا لاستقبال سيارات موسي …. بينما جلس منصور يتأمل ثروته بزهو، فقط بضع ساعات وسيكون ملك المنطقة بأكملها، ستتخطى أمواله بلدة آل سويلم والقري المجاورة لها …
: عوف
دار عوف يجيب ذلك الساكن :
امرك يا عز بيه
سأله باقتضاب :
أنت رايح فين ؟؟
أشار عوف علي الخارج مردف بسلاسة :
هاروح اعدي علي الرجالة أحسن يغفلوا في وقت زي دا
صاح منصور بنفاذ صبر :
ماشي روح يا عوف
وانتظر حتي خرج ثم نظر إلي عز وهتف بضيق :
أنت ايه مشكلتك مع الناس الليلة دي
مال عز بجزعه أمام والده، حيث تساوت رؤوسهم وردد من بين أسنانه بشراسة :
عشان الليلة دي مش هتعدي
اجفلوا علي صوت صياح وضوضاء تقترب منهم، وقف منصور عاقد حاجبيه باستنكار وغمغم :
عباس !!!
ضحك عباس وقال باستهجان :
ايه شوفتني في وقت غلط ولا ايه
احتدت نبرة عز وهو يهدر بغضب :
ايوا جيت في وقت غلط
جلس عباس علي المقعد بهدوء وهو يتمتم بحقد :
ايه يا بن منصور نسيت أن أنا شريكم
لم يكن الوقت لصالحهم أبداً وخاصة مع وصول موسي، الذي أشار علي عباس وسأل بصرامة :
مين دا ؟؟
واسترسل وهو ينظر إلي منصور مستكملا :
الإتفاق انك تكون أنت وابنك موجودين لما الحاجه تيجي ممكن اعرف دا بيعمل ايه
انتفض عباس متسائلاً بترقب :
حاجة ايه !! وأنت مين من اساسه ؟!
تثبتت الأنظار علي تلك التوابيت بذهول طاغي علي ملامحهم، عكس منصور الذي صعق وهو يري نفس التوابيت الموجودة في قبر أخيه، نعم لقد حفظها في ذلك المكان منتظر الوقت المناسب، ليبيعها بأضعاف الثمن !!!
كاد أن يميل كي يفتحها في تلك اللحظة علم موسي أنه شك في أمرهم، فأمسك كفه قبل أن يفتح الباب وهتف بحنق :
لا الإتفاق اتغير أعرف مين دا وبعدين نشوف مصالحنا
نظر منصور إلي عباس وصاح بغضب :
أنت ايه جابك مش صممت تاخد نصيبك من الفلوس
حرك عباس رأسه بالرفض وهو يتطلع إلي كم الآثار الموجودة :
لا أنا شايف الآثار الموجودة ومكنتش بالعدد الكبير دا
وأشار بسبابته مستكملا :
وبعدين أنت استغيلت أن عايز اخد بطار ابني ورمتلي شوية ملاليم
لم يتحمل الآخر أكثر من ذلك وانقض عليه كأسد ثائر وهمس من بين أسنانه :
اقل من ثانيه اشوفك اختفيت من هنا يإما وربي لادفنك واخلص عليك زي ما خلصت علي ابنك
شخصت أعين عباس بصدمة وتهته بصوت مرتعش :
خلصت علي ابني
دفعه عز بعيداً عنه واردف بشراسة :
وعندي استعداد اخلص عليك حالا
علي حين غرة أخرج موسي سلاحه الناري وهيئة للإطلاق، فاتبعه رجاله باحترافية، في أقل من ثوان حُصر منصور وعز وعباس داخل دائرة تحاوطهم بالأسلحة…
لوي موسي فمه مردد بخبث :
اسمعوا بقا أنا ممكن اخليكم كلكم تقابلوا وجه كريم
واستطرد بحده :
لكن أنا جاي علي اتفاق وهمشي عليه
اخفض سلاحه ثم أشار الي رجاله بأن يخرجوا، وزمجر بحنق :
عشر دقايق وتكون كل البضاعة دخلت الصناديق وطلعت للعربيات، وانا عشان مبقاش متطفل هسيبهم تصفوا حسابكم
نظر إلي عز وهتف بجديه :
مستينك في العربية
؛*******
علي بعد كاف وقف بجمع السيارات التابعة له، تطلع إلي المزرعة بثبات عكس تلك الصراعات المشتعلة بداخله …. كان من المفترض أن يخرج موسي الآن، حتي يبتعد عن تلك البؤرة قبل أن تهجم الشرطة …
: عمي أنا شايف أننا نبعد عن المكان دا
رد عليه بصرامة ونظره مازال معلق بالمكان :
محدش هيتحرك غير لما موسي يطلع مع رجالته
واسترسل بتذكر :
كلم محمود عشان يطلع يقابل عوف وياخد الأمانة الـ معاه
قطب سالم جبينه باستفهام وسأله :
عوف مين ؟؟
دار يحدق به هاتفا بغضب :
واحنا نعرف مين عوف في الوقت دا
بلع بقية حديثه خوفاً من بطشه واتجه يهاتف أخوه … إذا لم يخطأ فإنه عوف ظل منصور عزب !!! اي أمانة تلك مع هذا الشخص ؟!
؛********* بقلم حسناء محمد سويلم
علي الجهة الأخرى وقف موسي أمام الرجال الموجودين لحراسة باب المزروعة وقال بثبات :
منصور عزب بيأمركم تدخلوا جوه عشان تتصرفوا مع عباس
داروا بنظراتهم لعدة ثوان بتعجب، فقد حرص منصور وكرر أمره بأن لا يتحرك أحدهم مهما حدث …. ولكن ربما صوت طلقات النيران جعلهم يركضوا بهلع للداخل،
بينما نظر موسي الي رجاله وقال بخفوت :
كل واحد ورا التاني بسرعة عشان متلفتوش نظر الباقين
وعاد للخلف بحذر يأخذ القفل المعدني الصخم … أغلق الباب الحديدي من الخارج ثم وضع القفل ….. مشي بخطي ثابته وهو يضع يده في جيب سرواله بشموخ، ظل يتحرك الي الطريق الزراعي حتي لا يثير شك الرجال المنتشرين في المنطقة، وما أن بدأت الإنارة في الانخفاض، فر راكضا بأقصى سرعة …..
في نفس الوقت تنهد المعلم سالم براحة عندما ظهرت رجال موسي تهل واحد تلو الآخر، ثم أمرهم بالصعود سريعاً للسيارات عندما ظهر ظل موسي من بعيد قادماً إليهم …
؛؛؛؛؛
علي صعيد آخر هبط منصور أمام جثة عباس يتحسس نبضه، ورفع نظره يصيح بغضب شديد :
دا مات الله يخرب بيتك
وضع عز سلاحه علي المعقد وهو يتمتم ببرود :
كان لازم يموت من الأول
واستطرد بجمود وهو يري قدوم رجاله من الخارج :
انتوا بتعملوا ايه هنا يا بهايم
نطق أحدهم بتعلثم :
الباشا الكان معاكم قال إن منصور بيه عايزنا
تعلقت أعينهم لثوان حتي بدأ صوت طلقات نارية تنهمر عليهم …. امسك عز معصم والده وهو يصيح بحده :
قولتلك هضيع كل حاجه
نفض منصور يده متمتم بعدم استعاب :
لا مفيش حاجه هضيع
ومن ثمّ دلف رجل مصاب يجر قدمه بصعوبة بالغة وهو يهتف بخفوت :
حكومة الحكومة بره
دار منصور ينظر إلي عز كي يفيض بغضبه، ولكن المفاجأة تبخر عز !!! اختفي كما يختفي الملح في الماء، حرك رأسه بعدم تصديق وهو يصيح بحرقة :
لا عمري كله حطيته هنا، لا مش هيضيع يا عز، لا
لم تستمر مبادلة النيران لوقت طويل، فكانت قوات الأمن الخاصة وسيارات الشرطة تحاوط المكان بشكل مهيب، فذلك البلاغ مقدم من رجل موثوق، كبير تلك البلدة الذي ساعدهم كثيراً في حل مشاكل عدة …. هناك تجار آثار دلفوا إلي قريته كي يعموا فيها الخراب، نهبوا أرضها وأرادوا سرقة كنزها بدم بارد ….
؛********
الساعة الخامسة فجراً
جاء خبر هروب عز من المكان وتم القبض علي منصور وأحمد الذي فاق للتو… ووجدت جثة عباس هامدة ….
شعر موسي بالضيق الشديد فهون عليه المعلم سالم قائلاً :
أنت عملت الـ عليك ووفيت
بلع موسي غصته وهتف بغضب :
مش مصدق أن راس الافعي دا هرب
واستطرد بذهول :
أنا متأكد أن المزرعة ملهاش مكان تاني
تنهد المعلم سالم مغمغم بهدوء :
في كل الحالات مستحيل يظهر دلوقتي
واسترسل بفخر وهو ينظر إلي جمع الشباب الجالس أمامه :
كلكم نفذتوا واثبتولي أنكم قدها
قاطعهم دلوف عمرو وهو يستند توفيق بعد أن آتي بهم عوف من بدروم منزل عزب، المبلغ الذي عرض علي عوف يجعله يبيع والده إذا حكم الأمر …. نظر جابر الي توفيق لثوان وقال بعدم تصديق :
هو الميت بيرجع تاني !!!!!
اسنده عمر لكي يجلس بعد انتعاشه بحمام ساخن، جعله يشعر بأن الهموم المعلقة على أكتافه سقطت مع حبيبات المياه، حدق توفيق في جلبابه الأبيض الناصع وتمتم بفتور :
هو أنا بهلوس وبحلم ولا أنا طلعت من البدروم
رتب عبده علي كتفه وقال بأسي:
طلعت وقاعد وسط بشر مش شياطين
لم يستطيع توفيق كبح دموعه وقال بشهيق كطفل صغير تائه من والدته:
فوقت في يوم ولقيت نفسي في اوضة البدروم، دخل اخويا وفهمني أنه قعدكم في عقدة عُرف هترد حقنا، مرداش يخرجني وكل ما أقوله أنت حبسني يتهرب، لحد ما دخل وقالي أن القعدة حكمت ليكم، لما جيت أخرج
كتفني وربطني في السرير زي العيل الصغير، قالي أن موت في نظر الناس، ودفني وحالياً اسمي علي قبري، كان فاكر أنه هيعرف ياخد ديه ويخرجكم من البلد، ووقت الخناقة عرفت أنه طلع آثار من بيتنا القديم وعشان ملقاش فرصة يصرفها شالها في قبري، يوم عن يوم عجبه الوضع وملقاش مكان آمان زي دا يداري في بضاعته، كان بيدخل يرميلي الأكل زي الكلب، مع أن لو كلب كان صعب عليهم يعيشوني في قبر وأنا عايش
هدأ المعلم سالم من روعه قائلاً بحنكة :
اديك طلعت وجات فرصة تانيه تقدر تكمل بيها حياتك
واستكمل وهو ينظر إلي عمر الذي لم يكن حاله بخير أبدا، بعد أن علم باختفاء والدته منذ ثلاثة أيام مع أبناء اماني :
متقلقش أنا مكلف ناس تدور عليهم
سأله عمر بحيرة فاضت من ملقتيه :
هتكون راحت فين بيهم ؟!
أجابه بهدوء :
طالما عيال أختك معاها يبقا أكيد في أمان
تحدث تلك المرة عامر يقول :
كنت عايز ..
قاطعه المعلم سالم وهو يشير علي باب مجلسه مردف بصرامة :
مش عايز اسمه كلمة زيادة، كله بره
وقف محمود يخرج مع والده وأخوه، واتبعه جابر ويعقوب وأكرم، فنظر المعلم سالم الي موسي وعامر الماكثين محلهم وزمجر بتهكم :
مطولين في القعدة
حاول عامر التحدث فقاطعه بحده :
بره يا عامر
احتفظ بما تبقي من كرامته ونهض خارجاً …. كاد موسي بالخروج هو الآخر فصاح به :
أنت رايح فين هو أنت اصلا ليك حته غير عندي
عاد موسي يجلس متمتم بحيرة :
ما أنا لسا مطرود من ثانية
أشار إلي باب جانبي وهتف :
ادخل من البابا هتلاقي اوض شوف اي واحدة غير بتاعت توفيق وعمر
إنصاع إليه ودلف يتبع عمر وتوفيق كي يعرف الطريق …. بينما جلس المعلم سالم متنهد بخفوت، رئيس وكر الثعالب وصاحب الأفكار الشيطانية كانت لذلك اللئيم، كان عليه أن ينتهي منهم جميعاً وخاصة ذلك العز، لم يكترث كثيراً لأمر سيف مرة أخري يلتقي بسارة وينتهي أمره ….
سمع صوت أذان الفجر يصدي في مكبرات المساجد … ترك عصاه جانبا ودلف يتوضأ كي يلحق الصلاة جماعة، منفذه الوحيد لتلك الحيرة سجادته، ثم يهاتف أسرته يطمأن عليهن بعد مرور ليلة عصيبة، من المؤكد صوتهن سوف ينهي ذلك الصراع ويشعره بحلاوة مُـر الحياة،
ربما تكون النهاية ، أو ربما تكون بداية النهاية …….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!